أهلًا بالحِرَفيّين — انضم إلى شبكة حرفيّي آثارنا. تواصل معنا

صناعة الخوص في جدة

  • الكاتبة: جيني غستافسون
  • المصور: كريم مصطفى

“قليلٌ من شبابِ هذه الأيام يعرفون كيف يصنعونه، ومن هنا أردنا إحياءه”. في جدة، تحوِّل الحِرفيّات الحِرَف التقليدية إلى تصاميم عصرية. “نحنُ حقًا أبناءُ دولةِ النخلة”، تقول أفنان باشيخ. تبتسمُ إذ تفتحُ الباب إلى مساحةٍ واسعة في سطحٍ ما في جدة تنتمي إلى مركز سليسلة المتخصص بالحِرَف اليدويّة. وتقع في وسطِ هذه الغرفة طاولةٌ كبيرة، وفي إحدى زواياها مغطسُ استحمامٍ قديم، وفي الأخرى أوانٍ من الألمونيوم ضخمة ومعبأة بماءٍ مغلي.

تتقدم باشيخ ناحية الطاولة وعليها عددٌ من الأوراقِ الطويلة المجففة والممدّدة على اتساع الطاولة. بعضها بلون البيج الطبيعي، وبعضها باللون الأزرق، أو الأخضر، أو الأحمر. وكل هذه الأوراق من أشجار النخيل التي تؤثث أراضي المملكة بكثافتها العالية والمعبّرة عن التراث والتقاليد.

تقول: “نصنع الخوص هنا في الأعلى، وهي حرفةُ تمارسُ في جميع أنحاء المملكة، أينما ينمو النخيل.”

ويقابلها في الجانب الآخر من الطاولة تقفُ سعدة الحربي، إحدى الحِرَفيّات في مركز سليسلة. وتنحدر من قريةٍ خارج مكة، حيثُ يعمل الناس في صناعة الخوص منذ فترةٍ ليست بالبعيدة.

تقول: “في الماضي، كان أهالي القرية يحصلون على قوتِ يومهم من زراعة النخيل لبيع التمر، وزراعة البصل، ومن صناعة منتجات من النخيل. أعدّ والدي الحبالَ من أنسجة النخيل، بينما كانت أمي تصنع الخوص.”

تعلمت الحربي حرفة صناعة الخوص عندما كانت في العاشرة من عمرها على يديْ والدتها وجدتها، تقول: “كنا نجلس سويةً ونعمل في القرية كل يومٍ تقريبًا”.

تبدأ سعدة بأخذ سعفةٍ تلوى الأخرى من الطاولة بيد، وباستخدام أظافر اليد الأخرى، تقسم كل واحدةٍ منها إلى اثنتين. “هذه هي الطريقة التقليدية لتقسيمها. نستخدم المقص أحيانًا، لكنني أفضّل هذه الطريقة.”

سعف النخيل، ينقسم إلى أشرطة رفيعة، لاستخدامه لصنع كل شيء بدءًا من السلال إلى الأوعية والسجاد.
تعمل سعدة الحربي أحيانًا بطريقة التضفير والتي تُسمى بالـ “الماليزية” التي تعلمتها من حِرَفيّين ماليزيّين.

يعد سعف النخيل من المواد التي يُعتمد عليها لأن النخيل من الأشجار المستدامة، أي بالإمكان الحصول على سعفها على مدار العام. وكانت العائلات السعودية تعوّل كثيرًا على النخيل، حيث كانوا يستخدمون جذورها للسقف من الخارج ولتوفير دعامة للمنازل، كما كانوا يستخدمون السعف للجدران والسقف الداخلي.

تصعب معرفة قِدَم هذه الحرفة، إذ أنّ المواد العضوية تذبل سريعًا. وعلى الرغم من ذلك، فقد اكتشف العلماء دليلًا من أساسيات بناء المنازل مصنوعة بالكامل من النخيل في مواقع تعود إلى القرون الوسطى. ويجدر بالذكر هنا أنّ مسجد الرسول -صلى اللهُ عليه وسلّم- في المدينة المنورة قد بُني من جذوع النخل وسعفه بالكامل عام 630.

وصناعةً السلال وغيرها من المستلزمات أيضًا تعودُ إلى زمنٍ بعيد، فهي واحدة من أقدم الحِرَف التي مارسها الإنسان حول العالم. فالناسُ في الكاريبي، وبولينيزيا، والهند، إضافةُ إلى دولٍ مثل كينيا، والسودان، والكاميرون، وكمبوديا، وكوستا ريكا لهم تقاليدٌ غنية في صنع السلال.

وسط: يعمل مركز سليسلة مع الفن التقليدي والتصاميم العصرية سعيًا لإحياء الحرف التراثية السعودية.

أما بالنسبةِ للجزيرة العربية، فكان لطبيعة حياتهم دائمة التنقل أن تجعل النخيل عمود حياتهم. إذ كانوا وما يزالون يصنعون السلال والأوعية للمطبخ، والسجاد للنوم وكقاعدة للطعام في صوانيهم، ويصنعون حقائبًا تُحمل على ظهور الجمال أيضًا.

“كانت هذه الحرفة أساسٌ في مهام النساء اليومية. لكن قليلٌ من شبابِ هذه الأيام يعرفون كيف يصنعونها، ونحاولُ بدورِنا إحياء هذه الحرفة”.

تقول باشيخ

وهي جديدةٌ نسبيًا في مركز سليسلة الذي أُسِّسَ عام 2003 بهدف تحسين الحالة الاقتصادية للفتيات والسيدات ذوات التعلم المحدود. ويتركز تعاون سليسلة مع اللاتي لديهنّ إعاقاتٌ مختلفة، وعددٌ كبير من هؤلاء الحِرفيّات -أكثر من 50 حِرفيّة- لديهنّ ضعفٌ في الرؤية أو السمع. ويستضيف المركز عددًا من ورش العمل، منها: صناعة المجوهرات، والتطريز، وصنع الدمى المحشوة بالعود. كما أنّ للمركز أرشيفٌ ممتد بنماذج لأقمشة وأعمال مطرّزة من مختلف أنحاء المملكة.

بعد أن تقسّم الحربي كل السعف إلى أشرطةٍ رفيعة، تأخذها إلى الزاوية ذات المياه المغلية، ثم تفتح علبةً فيها مسحوق الصبغة وتضع مقدار قبضةِ يد منه في الإناء.

“الخطوة القادمة بعد تنشيف السعف وتقسيمه هو ترطيبه مرة أخرى بالماء ليصبح ليِّنًا وليسهل تشكيله. وأحيانًا نلوّنه أيضًا.”

تقول:

وما أن تضع كومةً من الأشرطة الرفيعة في المياه التي أصبحت أرجوانيةً الآن، حتى ترفعها بسرعة عنها مجددًا. وتقول: “يستغرق السعف دقيقة إلى دقيقتين ليأخذ لون الصبغة، ويختلف عن الوقت الذي كنا فيه نستخدم صبغةً طبيعية من النباتات والأرض وما حولنا. كان يتطلّب وقتًا أطول.”

وبعد هذه الخطوات التحضيرية نبدأ بالتضفير. تستخرج الحربي قطعةً كانت قد بدأت بالعمل عليها: لونها هادئ ومنسوجة داخل مثلثٍ كبير، وتقول: “ستصبح هذه حقيبة. وعندما نصنع الحقائب، نبدأ بألواحٍ كهذه، ثم ننسجها معًا.”

“عند مرحلة النسيج، نبدأ بشريطين رفيعين ثم نضعهما بشكلٍ تقاطعي كعلامة x هكذا.” وبكل سلاسة، تضع أشرطة السعف الرفيعة بشكلٍ تقاطعي، صانعةً اثنين بنفس الوقت. وعندما تُنسج معًا تتخذً شكلًا هندسيًا مكررًا.

تقول باشيخ مشيرةً إلى حقيبةٍ صغيرةٍ مزيّنة بالتطريز: “هذه الحقائب هي الأكثر مبيعًا. بدأنا صنعها منذ وقتٍ طويل، ودائمًا ما ننفّذ نفس التصميم. الأمر الوحيد الذي نغيّره هو اللون وطريقة التزيين.”

أحيانًا، يُصبغ السعف قبل عملية التضفير. تفتح الحربي علبةُ فيها مسحوق الصبغة لتصبغ فيه سعف النخيل. وتستغرق العملية دقيقةً أو اثنتين في خليط الماء الملوّن.

أحيانًا يقوم حرفيّات مركز سليسلة بأسلوبٍ آخر من نسيج السعف أيضًا، وهو الماليزي، ويُصنع من سعفٍ طويلٍ وليّن ليتم تشكيله كمربّعات متساوية ورقيقة. وسُمّي بهذا الاسم كنايةً عن مجموعةٍ من الحِرَفيّين الماليزيين الذين جاؤوا إلى المملكة وقاموا بتعليم هذا الأسلوب في النسيج. تقول سعدة: “تعلمتُ الأسلوب الماليزي أيضًا، لكني ما زلت أفضّل الطريقة التقليدية. فهي أكثر تحملًا وتُستخدم لأشياء لا تتلف بسرعة.”

الطريقة التقليدية السعودية لصنع السلال والحقائب تشبه طريقة صنع السلال حول العالم.

أكملت يداها نسجَ السعف بسرعةٍ ويسرٍ بالغيْن مثلما اعتادتا على نسجِ عددٍ لا يُحصى من القطع من قبل. الغرفةُ من حولها هادئة يتخللها صوتُ تقطّع أوراق السعف الناشفة.

“لا أجدُ في الأمرِ مشقّة، بل أراهُ عملًا جميلًا. سبحان الله، إن كنت تحبّ أمرًا ما، فلا يعودُ صعبًا”.

وتقول:

.تتوفر حقائب كلتش سليسلة في متجر آثارن

أبرز المنتجات

سليسلة

Red Sleysla Clutch

1260 SAR